بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم وحمة الله وبركاته
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي
* فصل في الحديث الغريب وأنواع الحديث *
من حيث تفرد الراوي فيه
وأما الحديث الغريب : فهو ضد المشهور .
وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث ويذمون الغريب منه في الجملة :
ومنه
قول ابن المبارك : (( العلم هو الذي يجنيك من ههنا ومن ههنا )) يعني
المشهور . خرجه البيهقي من طريق الترمذي عن أحمد ابن عبدة عن أبي وهب عنه .
وخرج أيضاً من طريق الزهري عن علي بن حسين قال : (( ليس من العلم ما لا يعرف ، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن )) .
وبإسناده عن مالك قال : (( شر العلم الغريب ، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس )) .
وروى محمد بن جابر عن الأعمش عن إبراهيم قال : (( كانوا يكرهون غريب الحديث ، وغريب الكلام )) .
وعن أبي يوسف قال : (( من طلب غرائب الحديث كُذب )) .
وقال أبو نعيم : (( كان عندنا رجل يصلي كل يوم خمسمائى ركعة ، سقط حديثه من الغرائب )) .
وقال
عمرو بن خالد سمعت زهير بن معاوية يقول لعيسى ابن يونس : (( ينبغي للرجل
أن يتوقى رواية غريب الحديث فإني أعرف رجلاً كان يصلي في اليوم نتي ركعة ما
أفسده عن الناس إلا رواية غريب الحديث )) .
وذكر مسلم في مقدمة كتابه
من طريق حماد بن زيد أن أيوب قال لرجل : (( لزمت عمراً ؟ قا ل: نعم ، إنه
يجيئنا بأشياء غرائب !! قال : يقول له أيوب : إنما نفر أن نفرق من تلك
الغرائب )) .
وقال لرجل لخالد بن الحارث : (( أخرج لي حديث الأشعث لعلي أجد فيه شيئاً غريباً )) . فقال : (( لو كان فيه شئ غريب لمحوته )) .
ونقل علي بن عثمان النفيلي عن أحمد قال : (( شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها )) .
وقال المروذي سمعت أحمد يقول : (( تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب ، ما أقل الفقه فيهم ؟! ))
ونقل
محمد بن سهل بن عسكر عن أحمد قال : (( إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون : هذا
الحديث غريب أو فائدة ، فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث في حديث ، أو خطأ من
المحدث ، أو ليس له إسناد ، وإن كان قد روى شعبة ، وسفيان . وإذا سمعتم
يقولون : لا شئ فاعلم أنه حديث صحيح )) .
وقال أحمد بن يحيى سمعت أحمد غير مرة يقول : (( لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء )) .
قال
أبو بكر الخطيب : (( أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم كتب
الغريب دون المشهور ، وسماع المنكر دون المعروف ، والاشتغال بما وقع فيه
السهو والخطأ من رواية المجروحين والضعفاء ، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم
مجتباً ، والثابت مصدوفاً عنه مطرحاً ، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة
ومحلهم ، ونقصان علمهم بالتمييز ، وزهدهم في تعلمه ، وهذا خلاف ما كان عليه
الأئمة المحدثين ، والأعلام من أٍلافنا الماضين )) .
وهذا الذي ذكره الخطيب حق ،ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب والسنة ونحوها ، ويعتني بالأجزاء الغريبة وبمثل مسند البزار ، ومعاجم الطبراني ، أو أفراد الدار قطني ، وهي مجمع الغرائب والمناكير .
ومن جملة الغرائب المنكرة الأحاديث الشاذة المطرحة
وهي نوعان :
ما هو شاذ الإسناد : وسيذكر الترمذي فيما بعد بعض أمثلته .
وما هو شاذ المتن : كالأحاديث التي صحت الأحاديث بخلافها ، أو أجمعت أئمة العلماء على القول بغيرها .
وهذا
كما قاله أحمد – في حديث أسماء بنت عميس : (( تسلبي ثلاثاً ثم اصنعي ما
بدا لك )) - : (( إنه من الشاذ المطرح )) . مع أنه قد قال به شذوذ من
العلماء : إن المتوفى عنها زوجها لا إحداد عليها بالكلية ، كما سبق ذكره في
موضعه .
وكذلك حديث طاووس عن ابن عباس في الطلاث الثلاث ، وقد تقدم في كتاب الطلاق كلام أحمد وغيره من الأئمة فيه وأنه شاذ مطرّح .
قال إبراهيم بن أبي عبلة : (( من حمل شاذ العلماء حمل شراًَ كثيراً )) . وقال معاوية بن قرة : (( إياك والشاذ من العلم )) .
وقال شعبة : (( لا يجينك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ )) .
قال
صالح بن محمد الحافظ : (( الشاذ الحديث المنكر الذي لا يُعرف )) . وقد
تقدم قول ابن مهدي : (( لا يكون إماماً في العلم من يحدث بالشاذ من العلم
)) .
وقد اعتُرض على الترمذي رحمه الله :
بأنه
في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغريبة الإسناد غالباً ؟ وليس ذلك بعيب ،
فإنه رحمه الله يبين ما فيها من العلل ، ثم يبين الصحيح من الإسناد ، وكان
قصده رحمه الله ذكر العلل ، ولهذا تجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث بدأ
بما هوغلط ، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له .